فصل: كتاب الغصب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ:

إذَا (أَقَرَّ بِنَسَبٍ إنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ قَالَ: هَذَا ابْنِي (اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الْإِلْحَاقِ، (أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ) وَتَكْذِيبُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي سِنٍّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَبًا لِلْمُسْتَلْحَقِ (وَلَا الشَّرْعُ)، وَتَكْذِيبُهُ (بِأَنْ يَكُونَ) أَيْ الْمُسْتَلْحَقُ (مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ) بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي نَسَبِهِ. (فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ) نَسَبُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ)، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَّفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ قَضِيَّةُ اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ. وَشَمِلَ السُّكُوتَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ: فَإِنْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا فَلَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا ثَبَتَ) نَسَبُهُ (فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ) نَسَبُهُ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ، فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْإِنْكَارِ، وَقَدْ صَارَ أَهْلًا لَهُ وَأَنْكَرَ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اسْتَلْحَقَ مَجْنُونًا فَأَفَاقَ وَأَنْكَرَ. (وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيِّتًا صَغِيرًا وَكَذَا كَبِيرًا فِي الْأَصَحِّ). وَالثَّانِي لَا لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ. (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يَرِثُهُ) أَيْ الْمَيِّتَ الْمُسْتَلْحَقَ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى التُّهْمَةِ (وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ) نَسَبُهُ (لِمَنْ صَدَّقَهُ) مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ كَمَا سَيَأْتِي قَبْلَ كِتَابِ الْعِتْقِ. (وَحُكْمُ الصَّغِيرِ) الَّذِي يَسْتَلْحِقُهُ اثْنَانِ. (يَأْتِي فِي) كِتَابِ (اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) كَمَا سَيَأْتِي فِيهِ حُكْمُ اسْتِلْحَاقِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ.
(وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ: هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ) بِشَرْطِهِ، (وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا، وَالثَّانِي يَثْبُتُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِالْمِلْكِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النِّكَاحِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ) فِيهِ: هَذَا (وَلَدِي وَلَدْته فِي مِلْكِي) لَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِنِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا، وَالثَّانِي يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِالْمِلْكِ، (فَإِنْ قَالَ: عَلِقْت بِهِ فِي مِلْكِي ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ) وَانْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ، (فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ) بِأَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا (لَحِقَهُ) الْوَلَدُ (بِالْفِرَاشِ مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ). قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ)؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ. (وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ بَاطِلٌ) أَيْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ (وَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ كَهَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِيمَا ذُكِرَ (بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ) فِي الْإِلْحَاقِ بِنَفْسِهِ. (وَيُشْتَرَطُ) أَيْضًا (كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيِّتًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ فِي الْأَصَحِّ)، فَيَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ نَفْيِهِ إيَّاهُ، كَمَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ هُوَ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ، فَلَا يَجُوزُ الْإِلْحَاقُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ فِي إلْحَاقِ مَنْ نَفَاهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلْحَاقَ عَارٍ بِنَسَبِهِ، (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ (وَارِثًا حَائِزًا) لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، كَابْنَيْنِ أَقَرَّا بِثَالِثٍ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مَعَهُمَا. (وَالْأَصَحُّ) فِيمَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ (أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، (وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ) وَالثَّانِي يَرِثُ بِأَنْ يُشَارِكَ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، أَمَّا فِي الْبَاطِنِ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ صَادِقًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا يُرِيهِ فِي الْأَصَحِّ بِثُلُثِهِ، وَقِيلَ: بِنِصْفِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْبَالِغَ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ)، بَلْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصَّبِيِّ، وَالثَّانِي يَنْفَرِدُ بِهِ وَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ خَطِيرٌ لَا يُجَازَفُ فِيهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ) الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ، (وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ)؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ صَارَ لَهُ، وَالثَّانِي لَا يَثْبُتُ نَظَرًا إلَى إنْكَارِ الْمُوَرِّثِ الْأَصْلَ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٍ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ، فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ) إنْكَارُهُ (وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ) وَالثَّانِي يُؤَثِّرُ الْإِنْكَارُ فَيَحْتَاجُ الْمُقِرُّ إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى نَسَبِهِ، وَالثَّالِثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْمَجْهُولِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْمُقِرَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ) لِلِابْنِ (وَلَا إرْثَ) لَهُ، وَالثَّانِي لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ الْإِرْثُ، وَلَوْ وَرِثَ الِابْنُ لَحُجِبَ الْأَخُ فَيَخْرُجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِقْرَارِ فَيَنْتَفِي نَسَبُ الِابْنِ وَالْمِيرَاثِ. وَالثَّالِثُ يَثْبُتَانِ وَلَا يَخْرُجُ الْأَخُ بِالْحَجْبِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِلتَّرِكَةِ لَوْلَا إقْرَارُهُ.

. كتاب العارية:

بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ، وَتَتَحَقَّقُ بِمُعِيرٍ وَغَيْرِهِ (شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ)؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ، (وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي يَقُولُ: يَكْفِي فِي الْمُعِيرِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً لَهُ، وَشَرْطُ الْمُسْتَعِيرِ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمُعِيرِ صِحَّةُ قَبُولِهِ التَّبَرُّعَ، فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الصَّبِيِّ، وَلَا اسْتَعَارَتْهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ) لَهُ، كَأَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ وَكِيلُهُ فِي حَاجَتِهِ. (وَ) شَرْطُ (الْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ)، فَلَا تَجُوزُ إعَارَةُ الْأَطْعِمَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا فِي اسْتِهْلَاكِهَا (وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ) ذَكَرٍ (مَحْرَمٍ) لِلْجَارِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ إعَارَتُهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَا لِخِدْمَةِ ذَكَرٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، إلَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى، أَوْ قَبِيحَةً فَتَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ الْفَسَادُ. وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ فِي الْخِدْمَةِ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْحُرْمَةِ.
(وَيُكْرَهُ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ بِأَنَّهَا حَرَامٌ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْجَوَازُ ا ه. وَعُلِّلَ فِي الْمِنْهَبِ عَدَمُ الْجَوَازِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْدُمَهُ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي، وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ) كَمَا فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ حَتَّى لَوْ أَعْطَى عَارِيًا قَمِيصًا فَلَبِسَهُ تَمَّتْ الْإِعَارَةُ، وَكَذَا لَوْ فَرَشَ لِضَيْفِهِ بِسَاطًا لِمَنْ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ إعَارَةً لِمَنْ جَلَسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ ا ه. (وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهُ) أَيْ حِمَارِي مَثَلًا (لِتَعْلِفَهُ) بِعَلَفِك، (أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَك فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ)، أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ مُدَّةَ الْإِمْسَاكِ، وَقِيلَ: هُوَ إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى اللَّفْظِ وَفَسَادِهِ لِذِكْرِ الْعِوَضِ، الْأَوَّلُ نَاظِرٌ إلَى الْمَعْنَى، وَفَسَادِهِ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَالْعَلَفِ. وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا مِنْ الْيَوْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ لِتُعِيرَنِي ثَوْبَك شَهْرًا مِنْ الْيَوْمِ فَهَلْ هِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْمَعْنَى.
(تَنْبِيهٌ): قَضِيَّةُ الْفَسَادِ فِي أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفَهُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَفُ فِي الْإِعَارَةِ عَلَى الْمَالِكِ، وَمِثْلُهُ طَعَامُ الرَّقِيقِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ.
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: عَلَى الْمُسْتَعِيرِ عَلَفُ الدَّابَّةِ وَسَقْيُهَا، وَطَعَامُ الْعِيدِ وَشَرَابُهُ (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ) لِلْعَارِيَّةِ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ رُدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ رُدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجَرَ (فَإِنْ تَلِفَتْ لَا بِاسْتِعْمَالٍ ضَمِنَهَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ) قَالَ النَّبِيُّ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ». «وَقَالَ فِي أَدْرُعٍ أَخَذَهَا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمَ التَّلَفِ، وَتَلَفُ بَعْضِهَا مَضْمُونٌ. وَقِيلَ: لَا كَتَلَفِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ) مِنْ الثِّيَابِ. (أَوْ يَنْسَحِقُ بِالِاسْتِعْمَالِ). وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُمَا. (وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ) أَيْ الْبَالِيَ دُونَ الْمُنْسَحِقِ أَيْ التَّالِفِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ، وُجِّهَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَا بِهِمَا حَدَثَ عَنْ سَبَبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَالثَّانِي قَالَ: حَقُّ الْعَارِيَةِ أَنْ تُرَدَّ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا فِي الْأَوَّلِ فَتُضْمَنُ فِي آخِرِ حَالَاتِ التَّقْوِيمِ، وَفَاتَ رَدُّ بَعْضِهَا فِي الثَّانِي فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ، وَالثَّالِثُ فَرَقَ بِوُجُودِ مَرْدُودٍ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَنَشَأَ الثَّالِثُ الْمَزِيدُ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ جَمْعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لَا يَضْمَنُ) التَّالِفَ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ، وَهُوَ لَا يَضْمَنُ. وَالثَّانِي قَالَ: يَضْمَنُ كَالْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمَالِكِ (وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ بَعَثَهُ فِي شُغْلِهِ، أَوْ فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا) أَيْ يُعَلِّمَهَا، (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ الرَّائِضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ مُسْتَعِيرًا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (الِانْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْإِذْنِ، فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ زَرَعَهَا، وَمِثْلَهَا) وَدُونَهَا فِي ضَرَرِ الْأَرْضِ (إنْ لَمْ يَنْهَهُ) عَنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا فَوْقَهَا كَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِ، (أَوْ الشَّعِيرِ لَمْ يَزْرَعْ مَا فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ) فَإِنَّ ضَرَرَهَا فَوْقَ ضَرَرِهِ، (وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِتَفَاوُتِ الضَّرَرِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَوْ قِيلَ: يَصِحُّ وَلَا يَزْرَعُ إلَّا أَقَلَّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا لَكَانَ مَذْهَبًا، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ. (وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ، وَلَا عَكْسُ)؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ، (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ) لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الضَّرَرِ، إذْ ضَرَرُ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ، وَضَرَرُ الْغِرَاسِ فِي بَاطِنِهَا أَكْثَرُ لِانْتِشَارِ عُرُوقٍ، وَالثَّانِي يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لِلتَّأْبِيدِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ) مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ كَالْإِجَارَةِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ، وَيُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْإِجَارَةِ، وَيَنْتَفِعُ بِهَا كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَنْتَفِعُ بِمَا هُوَ الْعَادَةُ فِيهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكهَا لِتَنْتَفِعَ بِهَا كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ، يَنْتَفِعُ بِمَا هُوَ الْعَادَةُ فِيهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكهَا لِتَنْتَفِعَ بِهَا كَيْفَ شِئْت فَوَجْهَانِ، يُؤْخَذُ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ مِنْ نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَكَالْأَرْضِ فِيمَا ذُكِرَ الدَّابَّةُ تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ، أَمَّا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ كَالْبِسَاطِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْفَرْشِ، فَلَا حَاجَةَ فِي إعَارَتِهِ إلَى بَيَانِ الِانْتِفَاعِ.

. فَصْلٌ:

لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُعِيرُ (رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَةُ وَالْمُؤَقَّتَةُ، وَرَدُّ الْمُعِيرِ بِمَعْنَى رُجُوعِهِ، وَبِهِ عُبِّرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، (إلَّا إذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ) وَفَعَلَ (فَلَا يَرْجِعُ) فِي مَوْضِعِهِ (حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ) مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ وَضْعِهِ فِيهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَكَذَا بَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ يُوَارِهِ التُّرَابَ.
(تَنْبِيهٌ): يُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ الْعَارِيَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ، أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ انْفَسَخَتْ الْإِعَارَةُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ انْفَسَخَتْ أَيْضًا إهـ (وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ) بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ (إنْ كَانَ شَرَطَ) عَلَيْهِ (الْقَلْعَ مَجَّانًا) أَيْ بِلَا أَرْشٍ لِنَقْصِهِ (لَزِمَهُ)، فَإِنْ امْتَنَعَ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ، (فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْمُعِيرِ بِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ الْقَلْعَ رَضِيَ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ: (الْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ) التَّسْوِيَةُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)؛ لِأَنَّهُ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْأَرْضِ. إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، (وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ) أَنْ يَقْلَعَهُ (لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا)؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ، (بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ، وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ) وَهُوَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا (قِيلَ: أَوْ يَتَمَلَّكُهُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ حِينَ التَّمَلُّكِ. وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ضَمُّ الثَّالِثِ إلَى الْأَوَّلَيْنِ فِي مَقَالَةٍ، وَإِسْقَاطُ الْأَوَّلِ مَعَ الثَّالِثِ مَعَ مَقَالَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا إجَارَةٌ وَبَيْعٌ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ رِضَا الْمُسْتَعِيرِ، وَضَمُّ الثَّالِثِ وَالثَّانِي فَقَطْ فِي مَقَالَةٍ وَأَنَّهَا أَصَحُّ إهـ.
وَإِذَا اخْتَارَ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ مُوَافَقَتُهُ، فَإِنْ أَبَى كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، (فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ) أَيْ الْمُعِيرُ شَيْئًا. (لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا إنْ بَذَلَ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْطَى (الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ) عَلَى هَذَا الْأَصَحِّ (قِيلَ: يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا) مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ (وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ فَصْلًا لِلْخُصُومَةِ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا) أَيْ يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ، وَيُوَافِقُهُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا. وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَخْتَارُ بِلَا أَلِفٍ أَيْ الْمُعِيرُ، وَيَأْتِي بَعْدَ اخْتِيَارِهِ مَا سَبَقَ. (وَلِلْمُعِيرِ) عَلَى هَذَا الْأَصَحِّ (دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا) وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ، (وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلتَّفَرُّجِ، وَيَجُوزُ) دُخُولُهَا (لِلسَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ) لِلْجِدَارِ (فِي الْأَصَحِّ)، صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَالثَّانِي يُعَارِضُ بِأَنَّهُ يُشْغَلُ بِدُخُولِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ مِلْكَهُ (وَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (بَيْعُ مِلْكِهِ) لِلْآخَرِ، وَالثَّالِثُ (وَقِيلَ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، إذْ لِلْمُعِيرِ تَمَلُّكُهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَانِعًا مِنْ بَيْعِهِ، ثُمَّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُعِيرِ يَتَخَيَّرُ تَخَيُّرَهُ، وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُسْتَعِيرِ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فَيَتَخَيَّرُ الْمُعِيرُ كَمَا سَبَقَ، وَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ اتَّفَقَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَى بَيْعِ الْأَرْضِ مِمَّا فِيهَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ كَيْفَ يُوَزَّعُ الثَّمَنُ هُنَا، وَفِيمَا إذَا بَاعَهُمَا الْحَاكِمُ عَلَى وَجْهٍ سَبَقَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا غَرَسَ الرَّاهِنُ الْأَرْضَ الْمَرْهُونَةَ، أَيْ وَهُمَا السَّابِقَانِ فِي رَهْنِ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: يُوَزَّعُ عَلَى الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ، وَعَلَى مَا فِيهَا وَحْدَهُ، فَحِصَّةُ الْأَرْضِ لِلْمُعِيرِ، وَحِصَّةُ مَا فِيهَا لِلْمُسْتَعِيرِ.
(وَالْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةُ) لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ، (كَالْمُطْلَقَةِ) فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ. (وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَّانًا إذَا رَجَعَ) بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَيَكُونُ هَذَا فَائِدَةَ التَّأْقِيتِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ، وَفِي وَجْهٍ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. (وَإِذَا أَعَارَ لِزِرَاعَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الْحَصَادِ). وَالثَّانِي لَهُ أَنْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ، وَالثَّالِثُ لَهُ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ كَالْغِرَاسِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لِلزَّرْعِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، (وَ) الصَّحِيحُ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ) مِنْ وَقْتِ الرُّجُوعِ إلَى الْحَصَادِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ الْمَنْفَعَةَ إلَى وَقْتِ الرُّجُوعِ. وَالثَّانِي لَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ إلَى الْحَصَادِ كَالْمُسْتَوْفَاةِ بِالزَّرْعِ، (فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرَكْ فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ، قَلَعَ) الْمُعِيرُ الزَّرْعَ (مَجَّانًا)، وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَالْمُسْتَثْنَاةِ مِمَّا قَبْلَهَا، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ، فَإِنَّ حُكْمَهُ وَحُكْمَ الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ مَا تَقَدَّمَ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُعْتَادُ قَطْعُهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ كُلِّفَ الْمُسْتَعِيرُ (وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا) لِغَيْرِهِ (إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فَهُوَ) أَيْ النَّابِتُ (لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ)؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَهُوَ مُسْتَعِيرٌ، فَيُنْظَرُ فِي النَّابِتِ أَهُوَ شَجَرٌ أَمْ زَرْعٌ ؟ وَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ.
(وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا: أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ: بَلْ آجَرْتُكهَا) مُدَّةَ كَذَا بِكَذَا، (أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ، فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ) نَظَرًا إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَأْذَنُ فِي الِانْتِفَاعِ غَالِبًا بِمُقَابِلٍ، فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا أَعَارَهُ وَأَنَّهُ آجَرَهُ، وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْمُصَدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا اسْتَأْجَرَ، وَالثَّالِثُ الْمُصَدَّقُ فِي الْأَرْضِ الْمَالِكُ وَفِي الدَّابَّةِ الرَّاكِبُ؛ لِأَنَّهُ تَكْثُرُ الْإِعَارَةُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا (وَكَذَا لَوْ قَالَ) الرَّاكِبُ أَوْ الزَّارِعُ: (أَعَرْتنِي، وَقَالَ) الْمَالِكُ: (بَلْ غَصَبْت مِنِّي) فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إذْنِهِ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْمُصَدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ (فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ) قَبْلَ رَدِّهَا (فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ) لَهَا الْمُخْتَلَفِ جِهَتُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَغْصُوبَ يُضْمَنُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ، (لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ، وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ) وَهُمَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ، (فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ) النَّسَبَ (أَكْثَرَ). مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ (حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ) أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا، وَيَأْخُذُ مَا عَدَاهَا وَالْمُسَاوِيَ بِلَا يَمِينٍ.

. كتاب الغصب:

(هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا)، أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ، وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ مَالُ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا يُغْصَبُ، وَلَيْسَ بِمَالٍ كَالْكَلْبِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالسِّرْجِينِ، وَالِاخْتِصَاصُ بِالْحَقِّ كَحَقِّ التَّحَجُّرِ. وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: حَقٌّ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَالرَّوْضَةِ، (فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ فَغَاصِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ) ذَلِكَ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: سَوَاءٌ قَصَدَ الِاسْتِيلَاءَ أَمْ لَا، وَالرَّافِعِيُّ حَكَى فِي عَدَمِ قَصْدِهِ وَجْهَيْنِ كَعَدَمِ النَّقْلِ، (وَلَوْ دَخَلَ دَارَهُ وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا) فَخَرَجَ مِنْهَا. وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا دَخَلَ بِأَهْلِهِ عَلَى هَيْئَةِ مَنْ يَقْصِدُ السُّكْنَى، (أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ فَغَاصِبٌ)، وَسَوَاءٌ فِي الْأُولَى قَصَدَ الِاسْتِيلَاءَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُغْنِي عَنْ قَصْدِهِ. (وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ) أَنَّهُ لَيْسَ بِغَاصِبٍ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ خِلَافَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ فَالْأَشْهُرُ أَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا. (وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا) مِنْ الدَّارِ (وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ)، أَيْ دُونَ بَاقِي الدَّارِ، (وَلَوْ دَخَلَ) الدَّارَ (بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِك فِيهَا فَغَاصِبٌ) لَهَا. وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا وَالْمَالِكُ قَوِيًّا، (وَإِنْ كَانَ) الْمَالِكُ (فِيهَا وَلَمْ يُزْعِجْهُ) عَنْهَا (فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ) لِاسْتِيلَائِهِ مَعَ الْمَالِكِ عَلَيْهَا، (إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ) فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ دَخَلَهَا لَا عَلَى قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ، وَلَكِنْ لِيَنْظُرَ هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَوْ لِيَتَّخِذَ مِثْلَهَا لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا.
(وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ) لِلْمَغْصُوبِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ». (فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ) بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافٍ (ضَمِنَهُ) حَيْثُ يَكُونُ مَالًا، وَهُوَ الْغَالِبُ مِمَّا سَيَأْتِي وَغَيْرُ الْمَالِ كَالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ لَا يُضْمَنُ (وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي بَعْدَهَا ذَكَرُوهَا اسْتِطْرَادًا لِمَا يُضْمَنُ بِغَيْرِ الْغَصْبِ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ التَّسَبُّبِ (وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ أَوْ مَنْصُوبٍ فَقَطْ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ الْمُؤَدِّيَ إلَى التَّلَفِ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِهِ، (وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِالرِّيحِ لَا بِفِعْلِهِ. (وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا) يَضْمَنُ وَالثَّانِي يَضْمَنُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ سَبَبُ الطَّيَرَانِ، وَالثَّالِثُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لِلطَّائِرِ اخْتِيَارًا فِي الطَّيَرَانِ. وَالْأَوَّلُ يَقُولُ طَيَرَانُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا, (وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ، وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ) وَكَانَتْ أَيْدِيَ أَمَانَةٍ، (ثُمَّ إنْ عَلِمَ) مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ الْغَصْبَ. (فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ)، وَيُطَالَبُ كَالْأَوَّلِ. (وَكَذَا إنْ جَهِلَ) الْغَصْبَ (وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَةِ)، فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ، (وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ، فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ) فِيمَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُودِعِ وَنَحْوِهِ. (وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ) أَيْ بِالْإِتْلَافِ، (فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) أَيْ فِي يَدِ الضَّمَانِ وَيَدِ الْأَمَانَةِ لِقُوَّةِ الْإِتْلَافِ، (وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ فَكَذَا) الْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ (فِي الْأَظْهَرِ)، وَالثَّانِي عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْآكِلِ. (وَعَلَى هَذَا) أَيْ الْأَظْهَرِ (لَوْ قَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ) وَعَلَى الثَّانِي لَا يَبْرَأُ.

. فَصْلُ:

تُضْمَنُ نَفْسَ الرَّقِيقِ بِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ (تَلِفَ) بِالْقَتْلِ (أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ (وَ) تُضْمَنُ (أَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الْحُرِّ) كَالْبَكَارَةِ (بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) تَلِفَتْ أَوْ أُتْلِفَتْ، (وَكَذَا الْمُقَدَّرَةُ) كَالْيَدِ تُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ (إنْ تَلِفَتْ) بِآفَةٍ، (وَإِنْ أُتْلِفَتْ) بِجِنَايَةٍ (فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ) تُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، (وَعَلَى الْجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنْ الرَّقِيقِ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ) وَلَوْ قَطَعَهَا غَاصِبٌ لَهُ، لَزِمَهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْأَرْشِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الدِّيَاتِ مَسْأَلَةُ الرَّقِيقِ مَعَ زِيَادَةٍ. (وَ) يَضْمَنُ (سَائِرُ الْحَيَوَانِ) أَيْ بَاقِيَهُ (بِالْقِيمَةِ) تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ مِنْ أَجْزَائِهِ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ الْحَيَوَانِ (مِثْلِيٍّ وَمُتَقَوِّمٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ، وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ كَمَاءٍ وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ) وَحَدِيدٍ (وَتِبْرٍ) وَسَبِيكَةٍ (وَمِسْكٍ)، وَعَنْبَرٍ (وَكَافُورٍ وَقُطْنٍ وَعِنَبٍ) وَرُطَبٍ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، (وَدَقِيقٍ) وَحُبُوبٍ وَزَبِيبٍ وَتَمْرٍ (لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ) هُمَا مِمَّا خَرَجَ بِقَيْدِ جَوَازِ السَّلَمِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ. مَا يُعَدُّ كَالْحَيَوَانِ أَوْ يُذْرَعُ كَالثِّيَابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي سَكَتَ عَنْ التَّقْيِيدِ بِجَوَازِ السَّلَمِ، وَالثَّالِثُ زَادَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ التَّقْيِيدُ بِجَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، فَيَخْرُجُ بِهِ بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ مِنْ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ (فَيَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمِثْلُ بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَحَوَالَيْهِ، (فَالْقِيمَةُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ) بِالْهَاءِ (مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ). وَالثَّانِي إلَى التَّلَفِ وَالثَّالِثُ إلَى الْمُطَالَبَةِ. (وَلَوْ نُقِلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيُّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ) إلَى بَلَدِهِ (وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ) لِلْحَيْلُولَةِ (فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا) وَاسْتَرَدَّهُ، (فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ)؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا، (فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً)؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ فِيهِ. (وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ، فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ، وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِالْمِثْلِ)، وَلَا لِلْغَارِمِ تَكْلِيفُهُ قَبُولَ الْمِثْلِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ، (بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ) وَالثَّانِي لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ مُطْلَقًا.
(فَرْعٌ): إذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ ثُمَّ اجْتَمَعَا فِي بَلَدِ التَّلَفِ هَلْ لِلْمَالِكِ رَدُّ الْقِيمَةِ وَطَلَبُ الْمِثْلِ ؟ وَهَلْ لِلْآخَرِ اسْتِرْدَادُ الْقِيمَةِ وَبَذْلُ الْمِثْلِ ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ غَرِمَ الْقِيمَةَ لِفَقْدِ الْمِثْلِ، ثُمَّ وَجَدَهُ هَلْ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ مَا ذُكِرَ ؟ أَصَحُّهُمَا لَا، (وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ) فِي الْغَصْبِ (بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ، وَفِي الْإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، فَإِنْ جُنِيَ) عَلَى الْمَأْخُوذِ بِلَا غَصْبٍ (وَتَلِفَ بِسِرَايَةٍ، فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا) مِنْ الْجِنَايَةِ إلَى التَّلَفِ، فَإِذَا جَنَى عَلَى بَهِيمَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِسَوْمٍ مَثَلًا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ، ثُمَّ هَلَكَتْ بِالسِّرَايَةِ وَقِيمَةُ مِثْلِهَا خَمْسُونَ، وَجَبَ عَلَيْهِ مِائَةٌ. (وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ) لِمُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ، (وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا) فَتُرَاقُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. (وَتُرَدُّ عَلَيْهِ) فِي غَيْرِ ذَلِكَ (إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ) لِإِقْرَارِهِ عَلَيْهَا، (وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ) تُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهَا لِتَصِيرَ خَلًّا، وَهِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ، أَوْ بِلَا قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ.
(وَالْأَصْنَامُ) وَالصُّلْبَانُ (وَآلَاتُ الْمَلَاهِي) كَالطُّنْبُورِ وَغَيْرِهِ، (لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ)؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ) لِزَوَالِ الِاسْمِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي تُكْسَرُ وَتَرْضُضُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ مِنْهُ لَا الْأُولَى وَلَا غَيْرَهَا، (فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ) أَيْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ (لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ) مِنْهُ (أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ) إبْطَالُهُ، وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُهَا؛ لِأَنَّ رُضَاضَهَا مُتَمَوَّلٌ، وَمَنْ أَحْرَقَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، وَمَنْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ الْإِحْرَاقِ فَعَلَيْهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مُنْتَهِيَةً إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَتَى بِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يَشْتَرِكُونَ فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ وَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ، وَيُثَابُ الصَّبِيُّ عَلَيْهِ كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إزَالَتُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ. (وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا) مِمَّا يُسْتَأْجَرُ كَالدَّابَّةِ (بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ)، بِأَنْ سَكَنَ الدَّارَ وَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَتُضْمَنُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ (وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إلَّا بِتَفْوِيتٍ) بِأَنْ وُطِئَ، وَتُضْمَنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا تُضْمَنُ بِفَوَاتٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا فَيُزَوِّجُ السَّيِّدُ الْمَغْصُوبَةَ وَالْيَدُ فِي بُضْعِ الْمَرْأَةِ لَهَا، (وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ) لَا تُضْمَنُ إلَّا بِتَفْوِيتٍ (فِي الْأَصَحِّ)، كَأَنْ قَهَرَهُ عَلَى عَمَلٍ، وَالثَّانِي تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لِتَقَوُّمِهَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ تُشْبِهُ مَنْفَعَةَ الْمَالِ، وَالْأَوَّلُ يَقُولُ: الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، فَمَنْفَعَتُهُ تَفُوتُ تَحْتَ يَدِهِ (وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ) كَسُقُوطِ يَدِ الْعَبْدِ بِآفَةٍ، (وَجَبَ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ) لِلنَّقْصِ وَالْفَوَاتِ وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ سَلِيمًا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَعِيبًا بَعْدَهُ. (وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِعْمَالِ، (بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ) بِاللُّبْسِ يَجِبُ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ (فِي الْأَصَحِّ). وَالثَّانِي، لَا بَلْ يَجِبُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ نَشَأَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ قُوبِلَ بِالْأُجْرَةِ فَلَا يَجِبُ لَهُ ضَمَانٌ آخَرُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَاتِ لَا الِاسْتِعْمَالِ.

. فَصْلٌ:

إذَا (ادَّعَى) الْغَاصِبُ (تَلَفَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ، (وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ) ذَلِكَ (صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَيَعْجِزُ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَلَوْ لَمْ نُصَدِّقْهُ لَتَخَلَّدَ الْحَبْسُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، (فَإِذَا حَلَفَ) أَيْ الْغَاصِبُ (غَرَّمَهُ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ) بَدَلَ الْمَغْصُوبِ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ، الثَّانِي لَا يُغَرِّمُهُ بَدَلَهُ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ فِي زَعْمِهِ، أَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا بِيَمِينِ الْغَاصِبِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ) بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَلَفِهِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خُلُقِيٍّ) بِهِ بَعْدَ تَلَفِهِ، كَأَنْ قِيلَ: كَانَ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ خِلْقَةً (صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْأُولَى، وَعَدَمُ السَّلَامَةِ مِنْ الْخُلُقِيِّ فِي الثَّالِثَةِ، وَلِثُبُوتِ يَدِهِ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ، (وَ) فِي الِاخْتِلَافِ (فِي عَيْبٍ حَادِثٍ) بَعْدَ تَلَفِهِ كَأَنْ قِيلَ: كَانَ أَقْطَعَ أَوْ سَارِقًا (يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ. وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا حِكَايَةُ الْخِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْمَغْصُوبَ وَبِهِ عَيْبٌ وَقَالَ: غَصَبْته هَكَذَا، وَقَالَ الْمَالِكُ: حَدَثَ عِنْدَك صُدِّقَ الْغَاصِبُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي: زَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ (وَلَوْ رَدَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (نَاقِصَ الْقِيمَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِبَقَائِهِ بِحَالِهِ، (وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ فَأَبْلَاهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ، لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ)، وَهُوَ نِصْفُ الثَّوْبِ. (قُلْت:) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ.
(وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ) أَيْ فَرْدَيْ خُفٍّ (قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ، فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرُدَّ الْآخَرُ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ، أَوْ أَتْلَفَ أَحَدَهُمَا) فِي يَدِهِ (غَصْبًا) لَهُ، فَأَتْلَفَ عَطْفٌ عَلَى غَصَبَ، (أَوْ) أَتْلَفَهُ (فِي يَدِ مَالِكِهِ) وَالْقِيمَةُ لَهُمَا وَلِلْبَاقِي مَا ذُكِرَ، (لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). وَهِيَ قِيمَةُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ، وَأَرْشُ التَّفْرِيقِ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ قِيمَةُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْضَمًّا إلَى الْآخَرِ، وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْأُولَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ فِيهَا الثَّانِيَ، وَزِيدَ عَلَيْهِمَا فِيهَا الثَّالِثُ عَنْ التَّتِمَّةِ، وَعَبَّرَا فِي الثَّانِيَةِ فِي شِقِّ الْغَصْبِ بِالتَّلَفِ وَيُقَاسُ بِهِ الْإِتْلَافُ فِي الْأُولَى (وَلَوْ حَدَثَ) فِي الْمَغْصُوبِ (نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ هَرِيسَةً) وَالسَّمْنَ وَالدَّقِيقَ عَصِيدَةً (فَكَالتَّالِفِ)، لِإِشْرَافِهِ عَلَى التَّلَفِ فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ. (وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ) وَفِي ثَالِثٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَفِي رَابِعٍ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ سَنٌّ وَمَا لَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ يَجِبُ أَرْشُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. (وَلَوْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ) لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ فِي يَدِهِ. (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالُ) الَّذِي وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ. (فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ) أَقْصَى قِيمَتِهِ. (وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ غَرِمَ لَهُ. (وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ)؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ (ثُمَّ يَرْجِعَ الْمَالِكُ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ. (عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ بِجِنَايَةٍ فِي يَدِهِ، وَقَبْلَ الْأَخْذِ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُبْرِئَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْغَاصِبَ، فَيَسْتَقِرَّ لِلْمَالِكِ مَا أَخَذَهُ (وَلَوْ رُدَّ الْعَبْدُ إلَى الْمَالِكِ فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ) مِنْهُ. (الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا) بِالْكَشْطِ (أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ) إنْ بَقِيَ. (أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ) إنْ تَلِفَ (وَإِعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ). قَبْلَ النَّقْلِ مِنْ انْبِسَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ). كَأَنْ دَخَلَ الْأَرْضَ نَقْصٌ، يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ أَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَانٍ، وَأَرَادَ تَفْرِيغَهُ مِنْهُ. (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الرَّدِّ غَرَضٌ. (فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إذْنٍ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَهُ رَدُّهُ بِلَا إذْنٍ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ. (وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمُّهَا) فَعَلَيْهِ الطَّمُّ بِتُرَابِهَا إنْ بَقِيَ، وَبِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ بِطَلَبِ الْمَالِكِ، وَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الضَّمَانَ بِالسُّقُوطِ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، وَلَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ غَيْرَ دَفْعِ الضَّمَانِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ غَيْرُهُ، فَلَهُ الطَّمُّ فِي الْأَصَحِّ. (وَإِذَا أَعَادَ الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ، فَلَا أَرْشَ لَكِنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ) مِنْ الرَّدِّ، وَالطَّمِّ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ آتِيًا بِوَاجِبٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا قَبْلَهَا. (وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا). أَيْ مَعَ الْأُجْرَةِ.
(وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ، وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ رَدَّهُ، وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ) مِنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يَنْجَبِرُ نَقْصُهُ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ وَالثَّانِي قَالَ يَنْجَبِرُ بِهَا لِحُصُولِهِمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ. (وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَقَطْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ نَقَصَتَا غَرِمَ الذَّاهِبَ، وَرَدَّ الْبَاقِيَ مَعَ أَرْشِهِ، إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ) مِنْ نَقْصِ الْعَيْنِ، كَمَا إذَا كَانَ صَاعًا يُسَاوِي دِرْهَمًا، فَرَجَعَ بِالْإِغْلَاءِ إلَى نِصْفِ صَاعٍ، يُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ، فَلَا أَرْشَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ غَيْرُ الرَّدِّ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ السَّمْنَ لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ قَبْلَهُ) فِيمَا إذَا غَصَبَ بَقَرَةً، مَثَلًا سَمِينَةً فَهَزَلَتْ، ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ السِّمَنَ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَقَائِلُ الثَّانِي يُقِيمُهُ مَقَامَهُ. (وَ) الْأَصَحُّ. (أَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا يَجْبُرُ النِّسْيَانَ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُتَجَدِّدًا عُرْفًا وَالثَّانِي يَقُولُ هُوَ مُتَجَدِّدٌ كَالسِّمَنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ النِّسْيَانَ وَالتَّذَكُّرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ، (وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ) عِنْدَهُ (لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ أُخْرَى) عِنْدَهُ (قَطْعًا) وَإِنْ كَانَتْ أَرْفَعَ مِنْ الْأُولَى. (وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ) عِنْدَهُ. (فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ)؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ (وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ إنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً) مِنْ الْعَصِيرِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ قِيمَتِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الرَّدِّ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ مِثْلُ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّخَمُّرِ كَالتَّالِفِ، وَالْخَلُّ قِيلَ لِلْغَاصِبِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ مِلْكِهِ. (وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ) عِنْدَهُ. (أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ مَغْصُوبٌ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ مَا اُخْتُصَّ بِهِ، فَيَضْمَنُهُمَا الْغَاصِبُ إنْ تَلِفَا فِي يَدِهِ وَالثَّانِي هُمَا لِلْغَاصِبِ لِحُصُولِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ، وَالثَّالِثُ الْخَلُّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَالْجِلْدُ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا يَفْعَلُهُ، وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ يَجُوزُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إمْسَاكُهُ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ.

. فَصْلٌ:

زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقِصَارَةٍ لِلثَّوْبِ، وَطَحْنٍ لِلْحِنْطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا) لِتَعَدِّيهِ بِهَا. (وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ) كَأَنْ صَاغَ النُّقْرَةَ حُلِيًّا، أَوْ ضَرَبَ النُّحَاسَ إنَاءً (وَ) لَهُ (أَرْشُ النَّقْصِ) إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالزِّيَادَةِ، عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَهَا، فِيمَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ أَوْ نَقَصَ عَمَّا كَانَ فِيمَا يُمْكِنُ رَدُّهُ وَرَدَّهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِنَاءٍ، وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ) لَهَا مِنْ الْأَرْضِ وَإِعَادَتَهَا كَمَا كَانَتْ، وَأَرْشَ نَقْصِهَا إنْ كَانَ مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. (وَإِنْ صَبَغَ) الْغَاصِبُ (الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ) الْحَاصِلِ بِهِ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ (وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ) مِنْهُ (أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي قَلْعِ الْغِرَاسِ، وَالثَّانِي قَالَ يَصْبُغُ بِفَصْلِهِ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) فَصْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ) أَيْ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ (فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ) لِحُصُولِ النَّقْصِ بِفِعْلِهِ (وَإِنْ زَادَتْ) بِالصِّبْغِ (اشْتَرَكَا فِيهِ) أَيْ الثَّوْبِ بِالنِّسْبَةِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الصِّبْغِ عَشَرَةً، وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَلِصَاحِبِهِ الثُّلُثَانِ، وَلِلْغَاصِبِ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ صَبْغِهِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ عَشَرَةً، وَإِنْ صَبَغَهُ تَمْوِيهًا فَلَا شَيْءَ لَهُ.
(وَلَوْ خُلِطَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ) كَحِنْطَةٍ بَيْضَاءَ بِحَمْرَاءَ أَوْ بِشَعِيرٍ. (لَزِمَهُ) التَّمْيِيزُ. (وَإِنْ شَقَّ) عَلَيْهِ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) كَأَنْ خَلَطَ الزَّيْتَ بِالزَّيْتِ. (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ) خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ. (فَلَهُ) أَيْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. (تَغْرِيمُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ) وَمِنْ الْمَخْلُوطِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْأَجْوَدِ دُونَ الْأَرْدَأِ، إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ، فَلَا أَرْشَ لَهُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَخْلُوطِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَدْرُ حَقِّهِ مِنْ الْمَخْلُوطِ، وَقِيلَ إنْ خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ اشْتَرَكَا، وَإِلَّا فَكَالتَّالِفِ هَذَا مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَفِي الشَّرْحِ تَرْجِيحُ طُرُقِ الْقَوْلَيْنِ (وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا أُخْرِجَتْ) وَرُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا أَيْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَأَرْشُ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ عَفِنَتْ بِحَيْثُ لَوْ أُخْرِجَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ، فَهِيَ كَالتَّالِفَةِ (وَلَوْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ) أَيْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا وَرَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا، وَأَرْشُ نَقْصِهَا مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ (إلَّا أَنْ يُخَافَ) مِنْ إخْرَاجِهَا (تَلَفُ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ) بِأَنْ كَانَتْ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، وَهِيَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ فَيَصْبِرُ الْمَالِكُ إلَى أَنْ تَصِلَ الشَّطَّ، وَيَأْخُذَ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ، وَمِنْ غَيْرِ الْمُسْتَثْنَى أَنْ تَكُونَ السَّفِينَةُ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ مُرْسَاةً عَلَى الشَّطِّ، أَوْ تَكُونَ الْخَشَبَةُ فِي أَعْلَاهَا أَوْ لَا يُخَافُ تَلَفُ مَا ذُكِرَ، وَخَرَجَ بِالْمَعْصُومَيْنِ نَفْسُ الْحَرْبِيِّ، وَمَالُهُ.
(وَلَوْ وَطِئَ) الْغَاصِبُ الْأَمَةَ (الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) لِوَطْئِهَا (حُدَّ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زِنًا (وَإِنْ جَهِلَ) تَحْرِيمَهُ كَأَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ. (وَفِي الْحَالَيْنِ يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ) فِي الْوَطْءِ. (فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ) كَالزَّانِيَةِ وَالثَّانِي قَالَ هُوَ لِسَيِّدِهَا، فَلَا يُسْقِطُهُ طَوَاعِيَتُهَا. (وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ عَلِمَتْ) حُرْمَةَ الْوَطْءِ، فَإِنْ جَهِلَتْهَا فَلَا حَدَّ، وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَيْهِ مَهْرُ بِكْرٍ، أَوْ أَرْشُ الْبَكَارَةِ مَعَ مَهْرِ ثَيِّبٍ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ فَإِنْ عَلِمَ حُرْمَةَ الْوَطْءِ حُدَّ، وَإِنْ جَهِلَهَا بِجَهْلِ كَوْنِهَا مَغْصُوبَةً مَثَلًا، فَلَا حَدَّ، وَعَلَيْهَا الْمَهْرُ إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ. (فَإِنْ غَرِمَهُ) أَيْ الْمَهْرَ (لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ فِعْلِهِ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ، بِكَوْنِهَا مَغْصُوبَةً؛ لِأَنَّهُ غَيَّرَهُ بِالْبَيْعِ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي أَرْشِ الْبَكَارَةِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ.
(وَإِنْ أَحْبَلَ) الْغَاصِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ. (عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) لِلْوَطْءِ (فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ) لِلسَّيِّدِ (غَيْرُ نَسِيبٍ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًا (وَإِنْ جَهِلَ) التَّحْرِيمَ (فَحُرٌّ نَسِيبٌ) لِلشُّبْهَةِ بِالْجَهْلِ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ) حَيًّا لِلسَّيِّدِ (وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ لَهُ، وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، فَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ أَوْ بِجِنَايَةٍ فَعَلَى الْجَانِي ضَمَانُهُ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ وَيُقَاسُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الرَّقِيقِ الْمُنْفَصِلِ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ، وَفِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ لَهُ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ، لِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَيُقَاسُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ انْفِصَالِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَيَضْمَنُهُ الْجَانِي بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَضَمَانُ الْحُرِّ عَلَى الْجَانِي بِالْغُرَّةِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَتَضْمِينُ الْمَالِكِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَيُقَاسُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ، أَنَّ الْغُرَّةَ يَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَكَذَا بَدَلُ الْجَنِينِ الرَّقِيقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي الْأَظْهَرِ.
(وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَغَرِمَهُ) لِمَالِكِهِ. (لَمْ يَرْجِعْ) بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْمَغْرُومِ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ. (وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ) بِآفَةٍ لَا يَرْجِعُ بِأَرْشِهِ الَّذِي غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ. (فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّ التَّعَيُّبَ بِآفَةٍ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرَى كَمَا لَوْ عَيَّبَهُ. (وَلَا يَرْجِعُ) عَلَيْهِ (بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا) كَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ (فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مُقَابِلَهُ وَمُقَابِلُ الرَّاجِحِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يَقُولُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ. (وَيَرْجِعُ) عَلَيْهِ (بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ) مِنْ مَنْفَعَةٍ بِغَيْرِ اسْتِيفَاءٍ. (وَبِأَرْشِ نَقْصٍ) بِالْمُهْمَلَةِ. (بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نَقَضَ) بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ مَالِكِ الْأَرْضِ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ وَالثَّانِي فِي الْأُولَى يَنْزِلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ مَنْزِلَةَ إتْلَافِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَقُولُ كَأَنَّهُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مُتْلِفٌ مَالَهُ.
(وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ) عَلَى الْغَاصِبِ مِمَّا ذُكِرَ. (لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ) ابْتِدَاءً (لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِ (وَمَا لَا يُرْجَعُ) أَيْ وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ مِمَّا ذُكِرَ، لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ ابْتِدَاءً رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشُّحِّ. (وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ) غَيْرَ الْمُشْتَرِي (فَكَالْمُشْتَرِي) (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ.